Tuesday, September 05, 2006

أن تكتشف أن حياتك شوية كيتشات !!



هي لفظة ألمانية انتشرت في القرن التاسع عشر وتعني "النفاية" ، وكانت كلمة "الكيتش" تطلق علي الأدب الهابط، إلا أن الأديب التشيكي الرائع "ميلان كونديرا" خلق لها معني آخر خاص جداً، وجاء حديثه عن الكيتش في روايته الأثيرة لدي "خفة الكائن التي لا تحتمل" ، وكونديرا من هذا الطراز الذي لا تمر رواياته عليك مرور الكرام، بل تجعلك تتأمل حياتك بأكملها لما تحمله من شحنات فلسفية مكثفة ،تجعلك دائم التساؤل ، وتشعر معه دائما أنه يعزف علي أوتار متوارية بداخل نفسك المعذبة بالضرورة ، وتقرأ الفقرة العديد من المرات حتي تستوعب ما في السطور و ما بينها .إذن ما هو الكيتش ؟ الكيتش هو "حلم الخلاص الجماعي" الذي نعتنقه نحن "الحالمون بعالم أكثر عدلاً" فيجعلنا حلمنا هذا نخلق كيتشاً خاصاً بنا، فهناك الكيتش الشيوعي والديموقراطي والناصري والاسلامي والكاثوليكي والبروتستانتي والنازي والنسوي والأمريكي والصهيوني والقومي والأممي والعمالي، هذا فضلاً عن الكتيشات القيمية والأخلاقية . . .هذا الكيتش الذي نعتنقه يقع في المنطقة الفاصلة ما بين دوافعنا الشخصية الخاصة وما يحدث في العالم ،يبدأ الكيتش الخاص بنا في النمو في اللحظة التي نشعر فيها بعدم الوفاق مع انفسنا ومع العالم، ذلك الاحساس الانساني بأنك خارج السياق يجعلك تعتنق اشياءًا لمعادلة هذا الشعور، ويتحول الكيتش مع الوقت إلي الحياة نفسها ، لهذا نتعرض أكثر من غيرنا لمخاطر الاصابة بالاكتئاب والاحباط والفشل .هذا هو بالضبط ما يحدث للمناضلون في لحظات انتشاءهم الخاصة في ذروة المظاهرات والأحداث التي تمر في حياتهم النضالية " شعور بإمكانية تجاوز الوجود الفردي والمصير الفردي إلي ما هو أسمي" . .كلنا مر بحلاوة هذه اللحظة ، "لحظة خفة لا تحتمل" . .حين انتزعت من سياقي النضالي اللاهث ، بفعل السجن الأمني والمنزلي ، بدأت أشاهد الكادر من الخارج دون ان أكون طرفاً حقيقياً فيه، مما جعل الرؤية تبدو أوضح مما كانت عليه ، في السجن تعاملت لأول مرة في حياتي علي ما يبدو مع من ندعي الدفاع عنهم – وإن كان ادعاء صادق في بعض الأحيان – هولاء الجماهير التي طالما حلمت بهم وهم يكسروا كل القيود ويعلنوها ثورة لا رجعة فيها علي هذا النظام الرأسمالي الذي يذيقهم من صنوف الفقر والهوان ما لا طاقة لهم به، ولكنهم بعيدون جدا عنا، لا يعرفوننا، ولا يريدون ، ولا نحاول . . .ننضال ، نتظاهر ، تبح أصواتنا، ونواجه قوات الأمن العاتية ، ولا مانع من أن نقضي داخل السجون بعض الوقت. . .لكنا نفعل كل ذلك ليس فقط بدافع الدفاع عن الكادحين والمضطهدين ، ولكن بشكل أساسي لنشعر أننا فعلنا شئ ما في هذا الزمن القبيح . .لكنا لا نفعل أي شئ يعيننا علي التواصل مع من ندافع عنهم، نقتل انفسنا نقاشنا علي مدوناتنا ومجموعتنا البريدية ونتتطاحن في الاجتماعات ، ونتقاتل في اليوناني والجريون، وحين نتناقش مع آخرين لهم كيتشات مختلفة عنا فإننا ندافع عن الكيتش الذي نعتنقه بضراوة وعنف مفرط، يصل في معظم الأحيان لحد تخوين بل وتكفير الآخر إذا لزم الأمر، فعندما نعتنق فكرة ، فهي الأفضل والأسمي والأصح لأننا فقط نؤمن بها.ولكن صدقوني عندما تنتزعون من داخل هذا الكيتش وتفكرون بشكل حقيقي وعميق بما أنتم مؤمنون به، وما هو تأثيره علي الجماهير الكادحة والمقهورة ، ستكتشفون فجاعة ما تؤمنون به.لقد قررت منذ اكتشافي لوهم الخلاص الجماعي، أن أتخلص من كل الكيتشات التي كنت أؤمن بها ، وأن أحلم أحلاما متواضعة وقابلة للتحقيق، وأنا أتخلص بالمرة من الأمراض التي أصبت بها من كيتشي الخاص وهي عديدة منها "أننا محتكرو الحكمة" وأن سوانا المسوخ، وأننا الأفضل / وأن الاشتراكية الثورية هي الحل لا محالة لكل المشكلات التي يعاني منها كل الناس وعلي رأسهم "بائعي الفراخ" ، واللاجئون السودانيون – فاكرنهم؟!!- ، وكل الناس اللي كنت متخيلة اني بادافع عنهم، وطلعنا في الآخر –لامؤاخذة- مجرد نفاية!!!!!!فكروا كثيرا فيما أنتم مقتنعون به ! لا تفعلوا أشياء لمجرد تبرئة الذمة ، ابحثوا عن اسطورتكم الذاتية.

تطهروا من كيتشاتكم
Posted by Picasa